في جلسة دراسية بمجلس المستشارين، احتضنت القاعة نقاشاً حاداً حول مشروع القانون رقم 25.26 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة. المداخلة التي ألقاها عبد الكبير اخشيشن رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية لم تكن مجرد كلمات عابرة، بل كانت صيحة تحذير من “منكر تشريعي” يهدد أحد المكاسب الحقوقية للبلاد.

ولم تأتِ هذه المواجهة من فراغ. فقد سلكت النقابة والمنظمات المهنية طريق الحوار المتدرج، من تقديم مذكرات إلى البرلمان والفرق السياسية، إلى التشاور مع المركزيات النقابية والمؤسسات الدستورية مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي.
وعندما لم تجدِ نفعا هذه الخطوات، انتقلت إلى الاحتجاج عبر بيانات موقعة من عشرات المنظمات المهنية والحقوقية، مشكلة جبهة وطنية تصل إلى أربعين تنظيماً.
ووصف نقيب الصحفيين المشروع، بأنه “يعكس ارتباكاً تشريعياً واضحاً”، مشيراً إلى أن السرعة التي تم بها إعداده لا تجد أي مبرر موضوعي. والأخطر من ذلك، حسب المداخلة، هو تبرير وزير القطاع لهذا التسرع بمقولة “تمرير المشروع أولاً ثم تعديله لاحقا”، وهي المقولة التي وصفت بأنها “تشرعن لفكرة التشريع بمنطق التجريب”. وهنا تساءل اخشيشن: “الصحافة ليست حقل تجارب، وأجيال كاملة من المهنيين لا ينبغي أن تُحمّل ضريبة تسرّع لم يستشر فيه أهل الاختصاص الحقيقيون”.
واشار اخشيشن إلى وجه الخلل في المشروع ما التالي:
- غياب ركن التشاور: حيث تم إعداد المشروع دون تشاور حقيقي مع الفاعلين الرئيسيين في القطاع.
- خرق المقتضيات الدستورية: حيث يتعارض المشروع مع الفصول 8 و11 و12 من الدستور، التي تكفل المشاركة النقابية والتعددية والتمثيلية العادلة والديمقراطية التشاركية.
- هدم مكتسبات التنظيم الذاتي: حيث يشكل المشروع، حسب النقابة، انتكاسة لمبدأ التنظيم الذاتي للمهنة ويشرع “لفوضى لا تتلاءم وطبيعة القطاع”.
- الخروج من جلباب التنظيم الذاتي: من خلال اعتماد مقتضيات تنتقص من استقلالية المهنة.
وجهت المداخلة انتقاداً حاداً لـ “البدعة” التي اقترحها المشروع فيما يخص آلية انتخاب الصحافيين للمجلس، وهي الاقتراع الفردي. واعتبرت أن هذه الآلية “تحتقر العمل النقابي” وتتعارض مع مبادئ التعددية والتمثيلية العادلة المنصوص عليها دستورياً. كما أشارت إلى أن هذه الآلية تتعارض مع الالتزامات الدولية للمغرب في مجال حرية التنظيم النقابي، خاصة اتفاقيات منظمة العمل الدولية.
في ختام المداخلة، توجه رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية بالشكر لمجلس المستشارين على فتحه لهذا النقاش، معتبراً إياه استجابة لروح الخطاب الملكي الأخير الذي حمل المسؤولية للمؤسسات ودعا إلى تحمل المسؤوليات. وطالب نقيب الصحفيين الجميع بـ “تحمل مسؤوليتنا لتصحيح هذا الوضع قبل فوات الأوان”.
بدلاً من هذا المشروع المثير للجدل، دعا عبد الكبير اخشيشن إلى العمل على “مدونة للصحافة والنشر ترصد المكتسبات وتتطور لمواجهة الأسئلة الجديدة للمهنة”، مؤكدة على الحاجة إلى “تنظيماً ذاتياً تكون له سلطة معنوية قوية” يحفظ للمجتمع حقه في إعلام حر ومسؤول.
